تشرح الكاتبة آمي بران، المتخصصة في علم الأعصاب التطبيقي، أن كثيراً من القادة يشعرون في نهاية يوم العمل بأن عقولهم مُنهَكة رغم استخدامهم أدوات الإنتاجية المتعددة. وتوضح أن المشكلة لا ترتبط دائماً بكمّ العمل، بل بطريقة استخدام الدماغ خلال اليوم.
وتناقش الكاتبة في مقال منشور في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أحدث ما وصل إليه علم الأعصاب حول الأداء الإدراكي تحت ضغط العمل.
1. القشرة الجبهية ليست محركاً لا يتعب
توضح بران أن أغلب القادة يعتمدون على القشرة الجبهية الأمامية التي تنفذ مهام التركيز واتخاذ القرار وضبط الذات. هذه المنطقة فعّالة لكنها محدودة السعة وتتعب سريعاً، خاصة في بيئات سريعة الإيقاع تعتمد على الاجتماعات المتتابعة والمراسلات اللحظية. يشير المقال إلى أن المشكلة ليست في مهارة القائد، بل في تصميم بيئات العمل الحديثة التي ترغم الدماغ على تشغيل هذه المنطقة دون توقف، بينما تُهمِّش شبكات دماغية أخرى مسؤولة عن الإبداع واستشعار الأولويات.
وتعرض بران أهمية شبكتي الوضع الافتراضي (DMN) والسالينس، اللتين تمكّنان القائد من رؤية الصورة الأوسع، وربط الأفكار، والتقاط الإشارات الدقيقة خلف السلوكيات والقرارات. ومع الضغط المستمر، تفقد هذه الشبكات قدرتها على العمل، فيختنق التفكير العميق وتتراجع جودة القرار.
2. الاسترجاع الذهني ضرورة قيادية
تؤكد بران أن القائد لا يحتاج مزيداً من الجهد بل مزيداً من الاستعادة الذهنية. الدماغ لا يعمل بكفاءة عندما يظل في وضع الإنتاج طوال اليوم. وتدعو الكاتبة إلى جعل الاستراحات القصيرة جزءاً معلناً من ثقافة العمل:
مساحات 10–15 دقيقة بعد الاجتماعات الثقيلة، فترات هدوء واضحة في الجدول، أنصاف أيام بلا اجتماعات، وحماية ساعات العمل العميق داخل الفريق.
وتوضح أن القائد الذي يعلن حاجته إلى هذه المساحات يمنح الآخرين الإذن بالتحرر من ضغط الرد المستمر، ويعيد تشغيل شبكة الوضع الافتراضي المسؤولة عن دمج الخبرات وابتكار الحلول.
وتشير أيضاً إلى أهمية تفعيل شبكة السالينس عبر فصل المشهد قبل اتخاذ القرارات الكبرى: تغيير المكان، كسر الروتين، أو استخدام طرق تفكير غير خطية كالرسوم أو التشبيهات. هذه الحركة البسيطة تعيد ترتيب الإشارات داخل الدماغ وتكشف ما يغيب تحت ضغط العجلة.
3. تصميم بيئة العمل أهم من قوة الإرادة
ترى بران أن إرهاق القادة لا ينبع من ضعف في الشخصية بل من أنماط تنظيمية ترهق الذاكرة العاملة. الاجتماعات تخلط التنفيذ بالمراجعة، ورسائل المنصات المختلفة تستهلك الانتباه، والمبادرات الداخلية المتعددة تشتت الأولويات. وتدعو الكاتبة القادة إلى تبسيط النظام عبر تدقيق حجم المدخلات التي يتعرض لها الفريق يومياً، ثم تحديد "مناطق تركيز" محمية لأعمال أساسية مثل التطوير، وإدارة المشاريع، والتخطيط.
وتقترح أيضاً تصنيف الاجتماعات حسب غرضها، واستخدام نظام "30-30" (نصف دقيقة لتثبيت فكرة بعد كل نصف ساعة عمل)، وتخصيص وقت أسبوعي بلا مدخلات جديدة لتمكين الفرق من تنظيم المعلومات الحالية قبل استقبال المزيد.
وتختتم بران بأن القيادة في المستقبل ستكون معتمدة على "التصميم الإدراكي": القائد الذي ينجح ليس الأكثر قدرة على التحمل، بل الأكثر قدرة على خلق بيئة تفكير تمنح الدماغ ما يحتاجه من تنوع وهدوء ومساحة للتأمل.
https://hbr.org/2025/10/stop-overloading-the-wrong-part-of-your-brain-at-work?ab=HP-hero-for-you-1

